صناعة الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية فى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد نمواً مطرداً وهائلا . حيث يلامس حالياً عدد الصناديق الاستثمارية عالميا 800 صندوقا استثماريا و بأ صول تحت الإدارة قاربت 50 بليون دولار تم طرح تقريباً 35% منها فى منطقة الخليج لوحدها. هذا النمو والازدهار فى هذه الصناعة ساعد الشركات الاستثمارية والمؤسسات المالية العاملة فى المنطقة علي استقطاب أفضل مديري المحافظ والأصول والصناديق الاستثمارية من حيث الكفاءة والخبرة وسمح لها بتجاوز ضرورة تعيين شركات إدارة محافظ وأصول وصناديق استثمارية أوروبية أو أمريكية أو حتى آسيوية لإدارة هذه الصناديق.
إن العامل الرئيسي المقيد لنمو هذه الصناعة يتمثل فى إيجاد مقدمي خدمات يستطيعون تزويد مديري المحافظ والصناديق الاستثمارية المحلية بالأدوات بالذات المؤشرات التي يحتاجونها لتحقيق العائد المجزي الخالي من المخاطرة (المعروف بـ :معامل ألفا). لهذا لابد من الإستثمار فى شركات محلية أو إقليمية ذات كيان مستقل والتي تتفهم وتتفاعل مع المتطلبات الثقافية والقيم الاجتماعية المحلية بهدف تطوير صناعة الصناديق الإستثمارية وذلك للاستفادة القصوى من إمكانياتها المتاحة في تحديد الأسهم المتوافقة مع مباديئ الشريعة.
أولى الأولويات حالياً بالنسبة لصناعة الصناديق الاستثمارية المحلية أو الإقليمية تتمثل فى تحديد الفرص الاستثمارية وإيجاد الاستثمارات المجدية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، حيث إنه الى اليوم لم يتمكن القطاع المالي العامل فى المنطقة من استحداث مؤشر الأسهم الخاص به الذي يمكن الاعتماد والتعويل علي دقته وشموليته بجانب الحيادية نظراً لأن معظم مقدمي الخدمات فى هذا المجال متواجدون ويزاولون أعمالهم منطلقين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. حيث قد استغرق تطوير مؤشرات الأسهم الكثير من المحاولات والتجارب لاستحداث منتجات استثمارية مبتكرة مثل مؤشرات الأسهم ومع ذلك ظلت هذه المؤشرات غير مقبولة بالكامل للمهنيين بالصناعة وللسواد الأعظم من المستثمرين فى أسواق الخليج، كما أن جميع المؤشرات المستحدثة داخلياً من بعض البنوك و الشركات المالية المحلية أو الإقليمية دائما مشكوك فى مصداقيتها باعتبار أنها أدوات نفعية و متحيزة وغير مؤهلة فنياً بالنظر إلى إنعدام الاستقلالية المهنية ووجود تضارب مصالح واضح مما يلغي من أهميتها كمعيار قياسي لمقارنة الأداء.
يجب أن لانغفل بأن تطور مؤشرات الأسهم الإسلامية أسهم بشكل كبير فى النمو الذي شهدته صناعة الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية فى العقد الماضي حيث قام اللاعبون الدوليين، مثل داو جونز (Dow Jones) و استاندرد آند بورز (Standard and Poor's) وفوتسي (FTSE) و ام أس سى آي (MSCI) وآخرين، بتزويد مديري الصناديق الاستثمارية المحلية بمؤشرات تتضمن مجموعة من الأسهم المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية التي يتم تحديدها باستخدام أساليب كمية ونوعية تشمل طرق و معاييرانتقاء واختيار قطاعية ومالية تحددها الهيئات الشرعية لهذه المؤشرات .
باشر "داو جونز"، وهو من أوائل الرواد فى مجال مؤشرات الأسهم الإسلامية، هذا العمل منذ عشرة أعوام مضت ) فبراير 1999) وأسهم بشكل كبير فى نمو صناعة الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية. يقوم مؤشر "داو جونز" بانتقاء واختيار الشركات بناء على القطاع الذي تعمل فيه الشركة إضافة إلى استخدام أساليب كمية ونوعية لخلق مجموعة معايير اختيار وانتقاء مالية يتم وضعها وتصميمها بواسطة الهيئة الشرعية للمؤشر. ويعتبر عدد كبير من العاملين فى الصناعة "داو جونز" أكثر مؤشرات الأسهم الإسلامية محافظة نظراً لأنه يقوم تلقائياً باستبعاد الشركات التي تمارس أنشطة محظورة شرعياً بغض النظر عن مقدارحجم الإيرادات الناتج من هذه الأنشطة. علي المستوي النظري يبدو هذا التوجه المحافظ صحيحا ولكن تطبيقياً فإن معايير الانتقاء الشرعية حسب ممارسة "داو جونز" قد تؤدي إلى إدراج شركات نشاطها محظور شرعياُ واستبعاد شركات نشاطها مباح شرعياً. سبب هذا التناقض هو أن المؤشر ينظر إلى التقيد والالتزام بالمبادئ والأحكام الشرعية علي أساس عموم القطاع وليس على أساس النشاط الذي تمارسه الشركة، ولذلك فان شركات الطيران التي تقدم - علي سبيل المثال - المشروبات الكحولية و منتجات الخنزير علي متن طائراتها قد تجتاز معايير الانتقاء والاختيار بينما قد تستبعد شركة أغذية لا تبيع المشروبات الكحولية و منتجات الخنزير نظراً لأن مؤشر "داو جونز" يحظر ويستبعد كل القطاع لأجل تفادي انتقاء واختيار الشركات بشكل فردي، فعلي سبيل المثال يصنف مؤشر "داو جونز" البنوك الإسلامية باعتبارها غير متوافقة مع المعايير الشرعية لأنها تقع ضمن قطاع البنوك.
وقد دخلت "استاندرد آند بورز" و "مورقان إستانلي" مجال مؤشرات الأسهم الإسلامية فى مرحلة لاحقة وصار لها تأثير كبير فى أسواق الخليج مقارنة بـ "داو جونز" أو مقدمي الخدمات الآخرين.الجديد هنا هو إن الموجهات الشرعية لكلا المؤشرين تسمح بإدراج الشركات التي تحقق دخل من أنشطتها وأعمالها غير المتوافقة مع المبادئ والأحكام الشرعية طالما أنه لا يتجاوز 5% من إجمالي الإيرادات. هذه الموجهات قد تغطي سلبيات "داو جونز" فيما يتعلق باستبعاد شركة متوافقة مع المبادئ والأحكام الشرعية أو إدراج شركة غير متوافقة مع المبادئ والأحكام الشرعية علي أساس القطاع ومع ذلك تبقى هناك - علي سبيل المثال - مسائل شرعية فيما يتعلق بتحديد مصادر الدخل لشركة معينة وكذلك تحديد مقدار الدين غير الربوي. وبالنسبة لأسواق الخليج يمكن معالجة هذه المسائل باستخدام المهارات الفنية المحلية ووعي المهنيين فى الصناعة بالفقه والثقافة الإسلامية وإلمامهم باللغة العربية.
فى العادة يشترك مديري الصناديق الاستثمارية أو مدراء الأصول فى أحد هذه المؤشرات لسببين اثنين، الاًول: بغرض تحديد الأسهم المتوافقة مع المبادئ والأحكام الشرعية، والثانيً: بغرض تقييم ومقارنة أداء محافظ وأصول صناديقهم الاستثمارية بمتابعة أداء المؤشر المستهدف. بشكل عام، وبالنسبة للصناديق المطروحة فى أسواق الخليج وخاصة فى المملكة العربية السعودية والتي تمثل 20% من جميع الصناديق الإسلامية عالميا، فإنه لا يمكن استيفاء هذين المتطلبين بشكل مناسب باستخدام مؤشرات الأسهم الإسلامية التي يديرها مقدمي خدمات مؤشرات أسهم عالمية مثل "داو جونز" و " مورقان إستانلي " أو "استاندرد آند بورز" للأسباب التالية:
تصادم الموجهات الشرعية: فى الغالب يشرف على الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية المؤسسة والمطروحة فى منطقة الخليج هيئات رقابة شرعية تضع موجهات ومعايير شرعية قد تختلف عن تلك الموجهات والمعايير التي تضعها هيئة الرقابة الشرعية الخاصة بمؤشر الأسهم العالمي الإسلامي. لذلك، وعلي سبيل المثال، قد ترغب بعض الصناديق الاستثمارية فى الاستثمار فقط فى أسهم شركات ليس لها أية إيرادات تعتبر غير مباحة من الناحية الشرعية بدلاً من استخدام المعيار الشرعي الذي يسمح بالتعامل مع الشركات التي لها دخل من مصدر غير مباح شرعياً ولا يتجاوز 5% من إجمالي الإيرادات كالذي تستخدمه مؤشرات الأسهم العائدة لـ "استاندرد آند بورز" و " مورقان إستانلي ". هذه الموجهات والمعايير العائدة لمؤشرات الأسهم العالمية الإسلامية قد تكون مناسبة للشركات العالمية العاملة فى الغرب ولكن يجب معالجتها بشكل مختلف عند التعامل مع شركات تعمل فى الدول الإسلامية حيث الفرق واضح ومعروف بين الحلال والحرام.
فاعلية ومستوي جودة أساليب الكمية والنوعية وطرق انتقاء واختيار الأسهم والشركات: علي المستوي التطبيقي من الصعب ضمان استيفاء كل المتطلبات والمعايير التي تحددها هيئة الرقابة الشرعية التي تشرف على مؤشر الأسهم الإسلامي بشكل دقيق. وحسب ما تم توضيحه سابقاً، قد تؤدي عمليات وطرق حسابات مؤشر "داو جونز" - علي سبيل المثال - إلى إدراج شركات نشاطها محظور شرعياً فى المؤشر واستبعاد شركات نشاطها مباح شرعياً. وبناء على المعلومات المقدمة من الخبراء والمهنيين المتمرسين فى الصناعة، كان متوجبا إدراج العديد من المعايير الشرعية فى الطرق والأساليب التي يستخدمها مؤشر "استاندرد آند بورز" الإسلامي لانتقاء واختيار الأسهم إلا أنه تم استبعادها، ومثال على ذلك عدم تحديد مقدار الديون غير الربوية بالنسبة للشركات مما قد يؤدي إلى إدراجها بدلاً من استبعادها.
حصرية ومحدودية الأسهم والشركات المشمولة بالمؤشر الرئيسي: عادة ما تكون مؤشرات الأسهم الإسلامية وليد ومنتج ثانوي لمؤشر الأسهم الرئيسي التقليدي ويتم استحداث هذه المؤشرات باستخدام طريقة محددة مثل إدراج الشركات التي تستوفي حد أدنى من القيمة السوقية. وهذه الطريقة تنطوي علي عيبين اثنين أساسيين، العيب الأول: يتمثل فى تقليص وتحجيم المجال الاستثماري لحد كبير بدون سبب شرعي معقول مما يجعل قرارات مدير الصندوق الخاصة بانتقاء واختيار الأسهم أشد صعوبة ومحدودة بالنظر إلي استيفاء متطلبات التنويع ومعايير توزيع الأصول. والعيب الثاني: يتمثل فى أنه إذا تم استبعاد سهم معين من المؤشر الرئيسي يتم تلقائياً استبعاد ذلك السهم من مؤشر الأسهم الإسلامي وهذا يشوش على المستثمر فيما يتصل بتقيد السهم حالياً ومستقبلاً بالمعايير الشرعية إذا تم الاحتفاظ به فى المحفظة الاستثمارية للصندوق ولم يتم بعد ذلك مراقبته من جانب مقدم خدمات المؤشر.
صعوبة تقييم أداء المحافظ بمتابعة المؤشر المستهدف: إذا كان الصندوق الاستثماري يطبق موجهات شرعية مختلفة عن تلك الموجهات الشرعية الموضوعة بواسطة هيئة الرقابة الشرعية العائدة للمؤشر المستهدف سيكون من الصعب متابعة أداء محفظة الصندوق مقارنة مع المؤشر المستهدف بشكل مناسب وملائم نظراً لأن الصناديق الاستثمارية فى منطقة الخليج عادة ما تطبق معايير شرعية أكثر صرامة من تلك الموضوعة من جانب مقدمي خدمات مؤشرات الأسهم العالمية الإسلامية وبالتالي يقلل كثيراً من دقة إستخدام المؤشر لقياس الأداء.
هل هناك علاج وحلول مناسبة لهذه المشكلات؟
يوجد فى المملكة العربية السعودية أكثر المستثمرين اهتماماُ ووعياً بالمبادئ والموجهات الشرعية و مدراء صناديق ذو خبرة في إدارة وتشغيل المحافظ والأصول الاستثمارية ولقد أسهمت الشركات الاستثمارية والبنوك فى المملكة العربية السعودية فى إيجاد حل للمشكلة المرتبطة بالتقيد والالتزام بالمبادئ والأحكام الشرعية عن طريق الاعتماد على مقدمي الخدمات الشرعية المحليين المتواجدين علي نطاق أسواق الخليج والذين لديهم الخبرات والمهارات الفنية والوعي بالفقه والثقافة الإسلامية بالإضافة إلي إلمامهم باللغة العربية والتي تعتبر ضرورية ولازمة لانتقاء واختيار الشركات والأسهم بشكل أكثر موضوعية بالنظر إلي مراعاة التقيد بالموجهات والمبادئ الشرعية. ومع ذلك، تكمن هناك صعوبات بخصوص استخدام مقدمي الخدمات المحليين بسبب أنهم عادة ما يركزون علي سوق محلي معين وبذلك لا يستطيعون استيفاء متطلبات تغطية المجال الاستثماري الإقليمي أو العالمي والموضوعة من جانب الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.
فى الواقع يوجد هناك بديل آخر يتمثل فى استخدام مقدمي خدمات البيانات العالميين مثل "طومسون رويترز"و "بلومبيرق" أو مقدمي خدمات البيانات الإقليميين مثل "مباشر" للحصول علي جميع البيانات المطلوبة لعملية انتقاء واختيار الشركات داخلياً (فى نطاق الشركة). مرة أخري، لا يعتبر هذا البديل مجدياً نظراً لأن مقدمي خدمات البيانات لا يوردون فى تقاريرهم الأرقام المالية والإيرادات بصيغة تدعم معايير الانتقاء والاختيار الشرعية. فعلي سبيل المثال، قد لا يعرف مدير صندوق استثماري محلي كمية وقيمة المشروبات الكحولية التي تبيعها سلسلة مطاعم ما فى فترة محددة من الوقت وكذلك قد لا يعرف مقدار الديون غير الربوية لشركة ما فى الخليج.
علي العموم هناك بديل واعد يتمثل فى الخدمات التي يقدمها مقدمي خدمات البيانات المالية الشرعية مثل شركة ايديال- ريتينج (IdealRating) التي لها فريق أبحاث محلي يقوم بالبحث عن البيانات المالية الخام ويستخرج الأرقام والإيرادات ذات العلاقة المطلوبة واللازمة لاستيفاء متطلبات شرعية محددة. بالإضافة لذلك هي تقدم خدمات المراجعة الشرعية ومراقبة الالتزام والتقيد بالموجهات الشرعية وحساب التطهير الشرعي وكذلك خدمات تقييم الأداء بمتابعة المؤشرات المستهدفة وذلك باستخدام تقنيات و تطبيقات شبكية تفعالية متطورة على الإنترنت. وبالرغم من أن شركة ايديال-ريتينج (IdealRating) ليس لها هيئة رقابة شرعية لتزويدها بالموجهات الشرعية المحددة إلا أن هذا الأمر فى الواقع مفيد لمعظم مديري الصناديق الاستثمارية في المنطقة نظرا لأنه يساعدهم فى مباشرة العمليات الاستثمارية وتقييم الأداء بمتابعة المؤشرات المستهدفة طبقاً للموجهات والمتطلبات التي تضعها هيئاتهم الشرعية الخاصة. كذلك شركة دار المراجعة الشرعية كمقدم آخر لخدمات البيانات المالية والمؤشرات الإسلامية وبخلاف شركة ايديال-ريتينج (IdealRating) لها هيئة رقابة شرعية خاصة بها وتؤدي جميع الأعمال المتعلقة بالأسهم المدرجة .
أخيراً، يجب استيفاء الطلب المتنامي للمنتجات والصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية بدعمها بخدمات شرعية مبتكرة ومتطورة مما يزيد المصداقية والجودة النوعية للمنتجات الاستثمارية المطروحة والمسوقة باعتبار أنها متوافقة مع المبادئ والأحكام الشرعية. لتطوير الصناعة وللاستفادة القصوى من إمكانياتها المتاحة، يجب علينا إيجاد مقدمي خدمات محليين ومستقلين متفهمين وعلي وعي بمتطلبات المستثمر المسلم بدلاً من الاعتماد علي شركات غربية تلطخت أسماؤها فى معظم الأحوال بتداعيات الأزمة المالية الراهنة وعندها فقط يمكننا تقديم خدمات مستدامة بالعمق والجودة النوعية المطلوبة لإقامة أساس متين وراسخ لصناعة الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع مبادئ وأحكام الشرعية الإسلامية ويعكس واقعنا ومماراساتنا والتي بالتالي ستؤسس لصناعة صناديق إستثمارية إسلامية راسخة ومزدهره.
